يبدأ تاريخ النوبة الحديث مع غزو العثمانيين لمصر عام 1751م بعد الانتصار الذي أحرزه السلطان سليم
الأول على المماليك فى موقعة الريدانية ، وبانتهاء حكم المماليك خضعت مصر
ومعها النوبة للحكم العثماني ، وقد عين سليم الأول حكاما على النوبة
أقاموا الحصون في أسوان وابريم وجزيرة صاى وغيرها من المواقع ووضع فيها
حاميات من جنود البوسنة ومن سلالة هؤلاء لا يزال يوجد بعض النوبيين الذين
يتميزون ببشرتهم البيضاء 0
مع
ضعف الحكم العثماني خاصة فى القرن الثامن عشر الميلادي زاد نفوذ المماليك
الذين كانوا حكاما للأقاليم(سناجق) فى العصر العثماني وكانوا حكاما للبلاد
قبل مجيء العثمانيين وأعرف الناس بشئونها فآلت إليهم أمور الحكم ومع تطلع
هؤلاء الى السيطرة عانت النوبة مما عانته مصر من اضطراب نتيجة الصراع بين
امراء المماليك بعضهم البعض من ناحية وبينهم وبين السلطة العثمانية من
ناحية أخرى خاصة فى منتصف القرن الثامن عشر فى الفترة التي سيطر فيها على
مصر إبراهيم بك ومراد بك (1775ـ1798.واستمر ذلك الاضطراب والنزاع بين
زعماء المماليك على الحكم حتى كانت حملة نابليون بونابرت على مصر عام
1798م0
فتحت
الحملة الفرنسية على مصر صفحة جديدة فى تاريخ مصر والنوبة وأفريقيا بصفة
عامة0فقد كانت أول حملة أوروبية على العالمين العربي والإسلامي فى العصر
الحديث0وجاءت بعلمائها المزودين بكل ما يحتاجه البحث العلمي من كتب وآلات
علمية وأدوات. وقد حرصوا فى بحوثهم ودراساتهم على كشف النقاب عن تاريخ
وآثار البلاد التى وقعت فى قبضتهم ،وبحثوا فى مناخها وطبيعتها وحيواناتها
وأجناسها وعادات أهلها.وقد زار علماء الحملة الفرنسية صعيد مصر وبلاد
النوبة وجاءت دراستهم فى كتاب وصف مصر الذي انتهى العمل فيه عام 1822م
وتضمن دراسة النوبة والنوبيين وضعها العالم الفرنسي (كوستاز)تحدث فيها عن
موقع بلاد النوبة الذي حدده بين مصر ومملكة سنار،وتَحدث عن سكانها وميزهم
عمن جاورهم من شعوب سواء مصر في الشمال وزنوج سنار في الجنوب والقبائل
المتجولة حولهم في الصحراوات الواقعة شرق النيل وغربه ،وقد وصف الشلال عند
أسوان بأنه ليس شلالا لعدم وجود مساقط مائيه كثيرة ووصف وسائل انتقال
النوبيين وتجارتهم مع مصر التى كانت تعتمد على المقايضة كما ذكر خضوع
النوبة للسيطرة العثمانية وكان النوبيون يؤدون للسلطان ضريبة من التمور
والرقيق الذين كانوا يشترونهم من قوافل سنار وكانوا لا يسترقون مطلقا
رجالا من أبناء جلدتهم ووصف طبائع النوبيين ومعيشتهم السلمية مع من جاورهم
ولطافة معشرهم واستقامتهم ووصفهم بالأمانة والإخلاص وتمسكهم الشديد بالدين
الإسلامي مما جعلهم محلا للثقة وتحدث عن ملابسهم وعاداتهم ولغتهم وقارن
بينها وبين العربية ، غير أنه لم يجمع عن لغتهم المعلومات الكافية كي
يقارن بينها وبين اللغات واللهجات الأفريقية الأخرى . وأهمية هذه الدراسة
فى كتاب وصف مصر تمكن فى إنها ألقت الضوء للقارئ الأوروبىعلى بلاد النوبة
التى كانت مجهولة بالنسبة لهم.
تتابع المسكتشفون والرحالة الى بلاد النوبة بعد الحملة الفرنسية ، ومن الدراسات الهامة تلك التى كتبها الرحالة السويسري بوخارتBurchardt بعنوان Travels in nubia والتي
نشرت فى لندن سنة1819م بعد أن جاء الى مصر عام1812م .وترجع أهمية الدراسة
فى انها تعطى صورة صادقة الى حد كبير عن المجتمع النوبي وعن حياة العبابدة
والبشارية فى أوائل القرن الماضي ووصف بوخارت كثيرا من آثار النوبة
ومعابدها وتحدث عن أصل النوبيين وأحوال معيشتهم وأوضحت دراسته الكثير مما
كان غامضا آنذاك عن النوبة .