<table class=picBorder height=200 cellSpacing=0 cellPadding=0 width=306 align=left bgColor=#ffffff border=0><tr><td vAlign=center align=middle width=305 height=200> </TD> </TR></TABLE> | |
|
بين الحزم والشدة والورع في المنزل، والفسق والمجون في جلسات الأنس والفرفشة.. نجح الكاتب الكبير نجيب محفوظ في ثلاثيته أن يجمع هذا التناقض في نموذج واحد من الحارة المصرية هو شخصية "سي السيد"..
ولمن لا يعرف فشخصية سي السيد أحمد عبد الجواد شخصية حقيقية عاشت في منطقة الحسين، ولا يزال أحد أبنائه على قيد الحياة، هو الحاج "محمد عبد الجواد"، والذي يبلغ من العمر71 عاما.. (ولاد البلد) توجهت إلى ابن سي السيد الأصلي وحاورته عن ذكرياته عن والده الحقيقي والآخر الذي ظهر في الدراما، وعتابه على نجيب محفوظ لما وصف به أبيه..
أمينة وأبنائها "كان رجل صالحاً ورعاً، دائماً ما يعقد حلقات الذكر داخل محل العطارة الخاص به حتى منتصف الليل ويحضر هذه الحلقات كبار العلماء والشيوخ في مصر مثل الشيخ محمد أبو الليل وهو من علماء الأزهر الشريف والمقرئين أمثال الشيخ البهتيمي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ طه الفشني والشيخ محمد الفيومي المنشد الديني والشيخ محمود عبد الحق والشيخ عبد الباسط عبد الصمد".
هكذا بدأ الحاج محمد حديثه عن سي السيد، ولكنه لا ينكر أن والده اتسم بالحزم والشدة والقسوة في بعض الأحيان، وأنه كان من الصعب عليه وعلى أخواته البنات الست التحدث إليه مباشرة في أي موضوع، لذا فقد كانوا يوكلون الأمر إلى والدتهم السيدة "أمينة"، كذلك لم يكن مسموحاً لهم الجلوس معه على "طبلية" واحدة فقد كان يتناول إفطاره وحده ثم يجلس محمد مع أمه وأخواته لتناول الإفطار، ويتذكر كيف كانت تهرول أمه بالمبخرة وتمطره بالدعوات أو بكلام يفتح نفسه مثل "ربنا يفتح عليك ويوقف لك ولاد الحلال".
يستطرد: "ولكنه كان أيضاً يسمح لنا بقليل من الرفاهية، حيث كان يذهب بنا إلى منطقة روض الفرج لنستقل مركباً تنقلنا إلى القناطر الخيرية، كذلك كنا نذهب معه إلى السينما لنشاهد الأفلام المحترمة فقط مثل فيلم "هذا جناه أبي" والذي قام ببطولته زكي رستم وفيلم "خلود" بطولة فاتن حمامة وعز الدين ذو الفقار".
صحبة سي السيد عاش سي السيد "الأصلي" في منزله الكائن بمنطقة الباب الأخضر أمام مسجد الحسين، وكان يفضل أن يرتدي الطربوش والجلباب البلدي الذي يتوسطه حزام من الحرير وقفطان وما يسمى بـ "الكاكولا"، كما كانت تربطه صداقة بكبار الكتاب والفنانين، وكانت جلساتهم المفضلة إما في قهوة الفيشاوي أو في محل العطارة الخاص به، وعلى رأس هؤلاء الكاتب الكبير نجيب محفوظ وأنيس منصور والمخرج الكبير حسن الإمام ويوسف السباعي.
ويذكر الحاج محمد أنه عندما كان في السابعة من عمره طلب منه الفنان محمود إسماعيل أثناء تصويره لفيلم "سمارة" مع" تحية كاريوكا" و"محسن سرحان" معرفة الأسماء الغريبة للشوارع والأشخاص في مقابل أن يقدم له ساعة هدية، فأخبره بالأسماء التي أطلقها هو وأصدقاءه على بعض الأشخاص مثل "ألابندا" و"دنجل" و"سيد أبو شفة" وفي المقابل اشترى له ساعة من الحسين بمبلغ ثلاثة جنيهات.
ابن 17.. صابر عندما أراد الحاج محمد الزواج وهو ابن 17 سنة، خشي من أن يفاتح أبيه في الأمر.. "اتخذت قراري بالزواج من ابنة أحد الأتراك في مصر ويدعى الشيخ شمس الدين رئيس رابطة الأتراك في جامع الأزهر، وقتها لم يتجاوز عمري 17 عاما وكان لابد من أفاتحه في الأمر ولم أستطع، فقررت أن يتحدث إليه أحد أصدقاءه المقربين نيابة عني وهو الحاج أحمد القطبي صاحب إحدى المكتبات بمنطقة الحسين، وعندما أخبرني الحاج أحمد بأنني لازلت صغيراً على الزواج فقلت بتلقائية (أمي قالت والدي اتجوز وعمره 15 سنة يعني أنا بقى لي سنتين صابر)".
يكمل: "وعندما أخبر الحاج أحمد والدي بما دار بيننا ضحك وقرر أن يذهب إلى الشيخ شمس الدين ليخطب لي ابنته، ولكنه لم يقبل زواجها بمصري خاصة بعد تجربة ابنته الكبرى مع زوجها المصري.. وبعد فترة علمت بأنها تزوجت من ابن عمها وكانت ذلك صدمة لي".
بهارات محفوظ توفى سي السيد عبد الجواد في 5 ديسمبر 1955، وكان موته صدمة للابن محمد، فلم يحصل على التوجيهية واكتفى بالثقافة لكي يباشر تجارة والده ويزوج أخواته البنات.
ويذكر الحاج محمد أن نجيب محفوظ ظل يتردد عليه، وكانت زيارته الأخيرة لمحل عطارة سي السيد منذ 17 عاما، تخللها عتاب بينهما عن الصفات التي أضافها على شخصية والده في الثلاثية، فقد وصفه بالمجون ومجالسته للعوالم، وهي صفات لا تمت إلى سي السيد الأصلي بصلة، فما كان من محفوظ إلا أن أجابه ضاحكاً: "الأكلة ما تحلاش من غير بهارات".